وحدة الدراسات والبحوث.
تقييم حالة.
نوفمبر ٢٠٢٤
من السابع من أكتوبر من العام الماضي إلى نوفمبر ٢٠٢٤ عقدت عدد من القمم العربية والإسلامية الطارئة والاستثنائية لرؤساء الدول العربية والإسلامية فضلاً عن اجتماعات وزراء الخارجية العرب للتباحث في القضية الفلسطينية ومحاولة الوصول إلى تخفيف وطأة الحرب على أهل غزة كما يُصرح تحدثوا كل الجلسات الماضية وما تعلنه النتائج. تأتي القمة العربية الإسلامية غير العادية التي رعتها الحكومة السعودية في ١١ نوفمبر ٢٠٢٤ في العاصمة الرياض بنتائج وتوصيات تصعيدة نحو الاحتلال في اللغة والمضامين، وهي خرجت في ٣٢ بند، وأهمها:
البند السابع: الإدانة بأشد العبارات ما يتكشف من جرائم مروعة وصادمة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة في سياق جريمة الإبادة الجماعية، بما فيها المقابر الجماعية وجريمة التعذيب والإعدام الميداني والإخفاء القسري والنهب، والتطهير العرقي خاصة في شمال قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية، ومطالبة مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة وذات مصداقية للتحقيق في هذه الجرائم، واتخاذ خطوات جدية لمنع طمس الأدلة والبراهين لمساءلة ومحاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتها من العقاب.
البند الثامن: الإدانة الشديدة للعدوان الاسرائيلي المتمادي والمتواصل على لبنان وانتهاك سيادته وحرمة أراضيه، والدعوة الى وقف فوري لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 (2006) بكامل مندرجاته، والتأكيد على التضامن مع الجمهورية اللبنانية في مواجهة هذا العدوان.
البند التاسع: رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين داخل أرضهم أو إلى خارجها، باعتبارها جريمة حرب وخرق فاضح للقانون الدولي سنتصدى له مجتمعين.
البند الثامن عشر: بدء العمل على حشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة والكيانات التابعة لها
بعد الإطلاع على كافة هذه التوصيات الرسمية والتصريحات التي صدرت سابقاً ولاحقاً من وزارة الخارجية وآخرها إدانة وزارة الخارجية السعودية التصريحات الصهيونية التي تطالب بالتوسع الاحتلالي، نسأل عن الجدوى الحقيقة من خلف هذه المؤتمرات، في الوقت الذي تقوم به مؤسسات سعودية رسمية وغير رسمية بسلوك مناقض لهذه التوصيات وأهمها مقال تركي الفيصل الموجهة للرئيس الأمريكي القادم ترامب، وسلوك القنوات الإعلامية المحسوبة على الحكومة السعودية والمزاج الإعلامي الشعبوي الذي تقوده الدولة في الشارع المحلي، هنا قراءة حول نتائج القمة وما وراءها من توصيات:
- تناقضات دبلوماسية ملحوظة بين دعم فلسطين والسعي للتطبيع: تدعي السياسة السعودية الحالية بالدعم العلني للقضية الفلسطينية خلال القمة الحالية والقمم السابقة، وهو ما يتناقض مع خطواتها نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مما يبعث رسائل متضاربة حول التزامها بدعم حقوق الفلسطينيين. هذا النهج يطرح تساؤلات حول أولويات المملكة خلال هذه المرحلة والمراحل القادمة وخصوصاً مع التغيرات في الإدارة الأمريكية، وهو يخلق ارتباكًا حول مدى الجدية في تبني موقف معارض نحو الاحتلال الصهيوني، بينما هي تأكد في مناسبات مختلفة سعيها للتطبيع.
- رسائل غامضة تؤثر على ثقة الشعب الفلسطيني: الجمع بين احتضان القضية الفلسطينية في التصريحات الرسمية السعودية ومتابعة المفاوضات مع إسرائيل قد يضعف ثقة الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، الذين يرون أن مثل هذه الخطوات تعكس تنازلاً ضمنياً عن مبادئ التضامن التاريخي الذي تدعيه السعودية. هذه التناقضات نرى أثرها في اعتقاد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة أن الدعم السعودي الرسمي للقضية ليس أولوية مطلقة، بل يخضع للاعتبارات الدبلوماسية والاقتصادية.
- تقويض جهود التضامن العربي: يسهم موقف الحكومة السعودية المزدوج في تفتيت الصف العربي؛ إذ أن دعمها القمة المناصرة لفلسطين في ظل مساعيها للتطبيع قد يبعث برسائل متباينة لدول عربية أخرى. هذا التضارب قد يدفع الدول العربية إلى مواقف متباينة بشأن السياسات تجاه إسرائيل، ويعرقل توحيد الموقف العربي تجاه الاحتلال، مما يؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية.
- إغفال التوجهات الشعبية الرافضة للتطبيع: تشير استطلاعات الرأي والدراسات إلى أن قطاعات واسعة من الشعوب العربية ترفض التطبيع مع إسرائيل. تجاهل المملكة لهذه المواقف يعكس افتقارًا للتوافق مع الرأي العام العربي، مما قد يؤثر على دعم السعوديين والعرب للسياسات السعودية، ويدفع بالشارع العربي إلى التشكيك في التزام المملكة بالدفاع عن القضية الفلسطينية وهو ما نرى أثره اليوم في شبكات التواصل العربي عن إحباطات الشعوب العربية من موقف الحكومة السعودية المخزي من القضية الفلسطينية، وخصوصاً أن الحكومة السعودية تمنع أي شكل من أشكال التضامن مع القضية الفلسطينية على أرضها.
- تركيز متزايد على الأهداف الاقتصادية: خطوات التطبيع التي تتخذها الحكومة السعودية تبدو مدفوعة بشكل أساسي بالاعتبارات الاقتصادية ومصالح التنمية المحلية، مما يثير الشكوك حول إخلاصها للقضية الفلسطينية. يتزايد الشعور بأن المملكة تضع مصالحها الاقتصادية فوق أولوياتها القومية، وهو ما يعزز الانطباع بأن قراراتها تجاه فلسطين قد تتأثر برغباتها و مطامحها الاقتصادية بدلًا من الالتزام العميق بالحقوق الفلسطينية.
- العودة إلى إدارة النزاعات والصراعات: غابت الحكومة السعودية لفترة طويلة عن المشهد المعتاد في إداراتها للمبادرات التي تنهي الحرب وتحل الصراعات، وقد حلت قطر كبديل وشريك أساسي للعديد من الحلفاء الدوليين والإقليمي في التوسط لإنهاء الصراعات الدولية والإقليمية. يبدوا أن إنسحاب قطر من الوساطة في الحرب على غزة اعطى الحكومة السعودية فرصة لإعادة أخذ المبادرة في إدارة الصراع. وهو ما يسمح لها بالتفاوض مع أطراف مختلفة ويعطيها نفوذ أوسع.
- تحسين صورة السعودية عربياً وإسلامياً: واضحاً من خطوات الإعلام السعودي الرسمي وشبكات التواصل الاجتماعي أن الحكومة السعودية بعيدة عن نبض الشارع العربي، وهذا ما يلاحظه العديد من انتشار الخطاب المتصهين السعودي المتطابق مع أجندات الاحتلال. يبدوا أن الخطوات الاخيرة التي حدثت على مر الشهور الماضية، أفقدت الحكومة السعودية شيء من الشرعية الشعبية كدولة عربية ومسلمة، وأنها أضحت دولة صهيونية بسبب قمعها وملاحقتها لكافة أشكال التضامن والمساندة للقضية الفلسطينية.
في الختام، يمكن قراءة نتائج القمة كالتالي: عدم وضوح خطة تنفيذية، افتقرت القمة لخطة عملية واضحة لضمان وقف إطلاق النار في غزة. خطاب تضامني غير مؤثر، ركزت التصريحات على التضامن دون تحديد خطوات حقيقية للتغيير على أرض الواقع.الاعتماد على الحلول الدبلوماسية التقليدية: الدعوة للحوار وإدانة الهجمات، لكنها لم تقدم أساليب جديدة للضغط على إسرائيل، وهي الجهود الدبلوماسية التي لم تتوقف منذ اندلاع الحرب. ضعف التوافق على سياسات مشتركة: القمة أظهرت الانقسام بين الدول العربية والإسلامية حول الإجراءات العملية لدعم الفلسطينيين. تأكيد الدعم الإنساني دون التزام فعلي: رغم التأكيد على ضرورة الدعم، لم يتم الإعلان عن مساعدات إنسانية عاجلة للفلسطينيين ولا وجود خطة حقيقية لإدخال المساعدات لغزة، وهذا ما يؤكد عبثية هذه القمم التي في الواقع غير مهتمة بوقف المجازر التي تحدث في غزة منذ عام.