ﺗﻘﻴﻢ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻄﲑان اﻹﴎاﺋﻴﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻴﻈﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

وحدة الدراسات والبحوث.
تقدير موقف.
٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤


الحدث:
نشر حساب جيش الإحتلال الإسرائيلي فيديو لتوقف عدد طائرة العسكرية للتزود بالوقود من قرية الحميظة غرب السعودية والتي قطعت 1800 كم لقصف الحديدة في اليمن. يمثل وقوف الطائرات الإسرائيلية في السعودية لضرب اليمن خطوة خطيرة تأتي على حساب القضية الفلسطينية وتعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. هذا التطور يعكس تغيرًا في أولويات بعض الحكومة السعودية بقيادة محمد بن سلمان، حيث يبدو أن مواجهة النفوذ الإيراني في اليمن قد أخذ الأولوية على حساب دعم القضية الفلسطينية وتصفيتها. مثل هذا التعاون العسكري غير المسبوق قد يُنظر إليه على أنه نوع من التطبيع مع إسرائيل، ما يضعف الموقف العربي الموحد تجاه الاحتلال الإسرائيلي ويُثير مخاوف من أن القضية الفلسطينية تُهمَّش تدريجيًا لصالح تحالفات إقليمية مؤقتة واعتبارات أمنية.


الخلفية الإقليمية والدولية:
الصراع اليمني منذ عام 2015 مثّل ساحة للصراعات الإقليمية بين الفاعلين الرئيسيين، ولا سيما المملكة العربية السعودية وإيران. السعودية تقود تحالفًا عسكريًا يضم عدة دول عربية لمحاربة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران. من جهة أخرى، إسرائيل لطالما اعتبرت إيران خصمًا إقليميًا رئيسيًا بسبب سياسات طهران التوسعية ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك الحوثيين في اليمن. 

السياق هنا يُشير إلى أن أي تعاون بين السعودية  دولة الإحتلال الإسرائيلية، حتى لو كان غير مباشر، يمكن تفسيره في إطار مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. العلاقات بين السعودية وإسرائيل، رغم عدم الإعلان عن وجود تعاون رسمي بينهما، شهدت تنسيقاً وتقارباً ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وذلك في سياق إعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وأبرزها إيران.

التحليل الجيوسياسي:
وقوف الطائرات الإسرائيلية في السعودية لضرب اليمن يعكس تحولًا جوهريًا في العلاقات الإقليمية. فإن هذه الخطوة قد تشير إلى مستوى عالٍ من التنسيق بين الرياض وتل أبيب. الهدف المشترك هنا هو تقويض قدرات الحوثين في اليمن، وهو ما تعتبره كل من السعودية وإسرائيل تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي. 

في هذا السياق، يبدو أن هذا التعاون يتجاوز الحسابات التكتيكية ليصل إلى مستوى استراتيجي أعمق. فالسعودية، التي تقود التحالف العربي ضد الحوثيين، قد تكون بحاجة إلى دعم تقني وعسكري متقدم لتحقيق أهدافها في اليمن، وإسرائيل تمتلك القدرات العسكرية المتطورة التي يمكن أن تلعب دورًا في هذا السياق. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام الطائرات الإسرائيلية في العمليات الجوية قد يكون مؤشرًا على رغبة السعودية في الاعتماد على قدرات خارجية لتحقيق توازن في الحرب التي استنزفت مواردها على مدى السنوات الماضية.

من جهة أخرى، لإسرائيل مصلحة مباشرة في منع إيران من تعزيز نفوذها في المنطقة عبر دعم الحوثيين. وجود قواعد أو نقاط توقف للطائرات الإسرائيلية في السعودية سيُسهِّل العمليات العسكرية الإسرائيلية ويقلل من الوقت اللازم للوصول إلى الأهداف في اليمن، مما يعزز القدرة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة.

التقييم النقدي:
رغم أن هذا السيناريو يوضح تعاونًا عسكريًا محتملاً بين إسرائيل والسعودية، إلا أنه يثير تساؤلات أخلاقية واستراتيجية عميقة. أولاً، قضية سيادة الدولة. هل تقبل السعودية، بوصفها زعيمة العالم الإسلامي، بأن تكون جزءًا من عمليات إسرائيلية في دولة عربية أخرى؟ هذا السؤال يحمل بعدًا رمزيًا عميقًا، حيث أن موقف السعودية من القضية الفلسطينية تاريخيًا يُعد أحد الأسس التي تقوم عليها سياستها الخارجية. قبول الرياض بتعاون عسكري مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل في ضرب اليمن قد يخلق فجوة بين القيادة السعودية وشعوب المنطقة، التي ما زالت ترى في إسرائيل خصمًا تاريخيًا. ويؤكد وجود مشروع تطبيعي مع الكيان الصهيوني.

ثانيًا، هناك مسألة الشرعية الدولية. تدخل إسرائيل في اليمن عبر الأراضي السعودية، حتى لو كان بهدف تقويض نفوذ إيران، يمكن أن يُنظر إليه على أنه انتهاك للقانون الدولي. فالحرب في اليمن هي بالفعل محل انتقادات دولية واسعة بسبب الانتهاكات الإنسانية التي تُرتكب من جميع الأطراف. تدخل إسرائيل، مع ما يحمله من دلالات جيوسياسية، قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في الصراع، مما يعقد الوضع أكثر ويزيد من معاناة المدنيين اليمنيين.

ثالثًا، هذا السيناريو قد يحمل تبعات خطيرة على الاستقرار الإقليمي. التعاون العسكري بين السعودية وإسرائيل في اليمن من المحتمل أن يدفع إيران إلى تعزيز دعمها للحوثيين وتوسيع نطاق تدخلها العسكري في المنطقة. قد يؤدي هذا إلى تصعيد جديد للصراع في اليمن، وقد يتسع إلى دول أخرى في المنطقة مثل العراق ولبنان، حيث تحتفظ إيران بنفوذ قوي عبر حلفائها. وبالتالي، بدلاً من حل الصراع أو تقويض النفوذ الإيراني، قد يؤدي التدخل الإسرائيلي إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.

البعد العسكري والتقني:
من الناحية العسكرية، يُشير وقوف الطائرات الإسرائيلية في السعودية إلى وجود تنسيق على مستوى عالٍ، خاصة في ظل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة التي تمتلكها المملكة. هذا يعني أن الرياض قد سمحت بوجود تقني وعسكري إسرائيلي على أراضيها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يمثل قفزة نوعية في العلاقات الثنائية. على الصعيد الاستراتيجي، ستستفيد إسرائيل من هذه الترتيبات العسكرية، حيث ستتمكن من تقليل مسافات الطيران وتجنب بعض التحديات اللوجستية التي قد تواجهها في حال تنفيذ عمليات بعيدة المدى دون مثل هذا الدعم.

إلى جانب ذلك، من المحتمل أن يُسهِّل هذا التعاون نقل التكنولوجيا العسكرية والمعلومات الاستخباراتية بين الطرفين. السعودية، التي تسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة التهديدات الإقليمية، قد تجد في هذا التعاون فرصة للحصول على خبرات عسكرية إسرائيلية متقدمة. ولكن في المقابل، قد يكون هناك مخاطر تتعلق بانكشاف السياسات الدفاعية السعودية لإسرائيل، مما قد يؤثر على توازن القوى في المنطقة.

الرأي العام والشرعية الداخلية:
من النقاط الحرجة التي ينبغي تناولها هي كيف سيكون رد فعل الرأي العام السعودي والعربي على مثل هذا التعاون. التاريخ يُظهر أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل تُعتبر موضوعًا حساسًا للغاية بالنسبة للجماهير العربية، التي تظل متمسكة بالقضية الفلسطينية وترى في أي تعاون مع إسرائيل نوعًا من التطبيع غير المقبول. وقوف الطائرات الإسرائيلية في السعودية قد يثير انتقادات واسعة من داخل المملكة وخارجها، وقد يعزز من الأصوات المعارضة للسياسات الحكومية.

على المستوى الداخلي، قد تواجه القيادة السعودية تحديات في تبرير مثل هذا التعاون. حتى لو كان الهدف الاستراتيجي هو مواجهة إيران، فإن الثمن السياسي الداخلي قد يكون مرتفعًا. الشعب السعودي، وعلى الرغم من الدعم الذي تقدمه الحكومة لتحالفها في اليمن، قد يجد صعوبة في تقبل فكرة التعاون مع إسرائيل، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي أو تصاعد التوترات السياسية.

الخلاصة:
في الختام، وقوف الطائرات الإسرائيلية في السعودية لضرب اليمن يُعد حدثًا يحمل تداعيات جيوسياسية كبيرة. رغم أن هذا التعاون الافتراضي يعكس تقاربًا في المصالح بين الرياض وتل أبيب والسعي لتطبيع العلاقة مع الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، رغم ادعاء أن هدف التقارب هو لمواجهة النفوذ الإيراني، إلا أن التداعيات الاستراتيجية والأخلاقية لهذا التعاون قد تكون عميقة. إن استغلال هذا السيناريو يجب أن يتم بحذر شديد، نظرًا لما يحمله من مخاطر تتعلق بالشرعية الدولية، الاستقرار الإقليمي، والرأي العام الداخلي والخارجي. وفي النهاية، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان هذا التعاون يحقق الفائدة الإستراتيجية المرجوة أم أنه سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد في المنطقة.

وحدة البحوث والدراسات- أرك.

To Top